الثلاثاء، 13 فبراير 2018

«أطفال داعش» في ليبيا.. الإرهاب خطف البراءة والمستقبل

ارشيفية

ارشيفية

أطفال بشعر أسود وملامح إفريقية وآخرون بشعر أشقر وملامح فاتحة لا تتجاوز أعمارهم 11 سنة، وجدوا أنفسهم وحيدين في مراكز احتجاز بليبيا بعد أن فقدوا آباءهم، بعضهم بدون أوراق ثبوتية ولا جنسية والبعض الآخر رفضت أوطانهم استقبالهم، إنهم أبناء عناصر تنظيم داعش في ليبيا الذي لا يزال الغموض يكتنف مستقبلهم ولم يحدد بعد مصيرهم.

بين عامي 2014 و2016 التحقت المئات من النساء من دول الجوار بتنظيم داعش في ليبيا بعضهن برفقة أزواجهن وأطفالهن، وأخريات تزوجن هناك أو تعرضن للاغتصاب على أيدي العناصر، فأنجبن أطفالا قتل العديد منهم في معارك تحرير مدينة سرت من التنظيم المتطرف، وبقي آخرون على قيد الحياة، فتم إيداعهم داخل سجون ومراكز رعاية في ليبيا، في انتظار البت في أمرهم.

ويقبع عشرات الأطفال الذين خلفهم داعش مثلما يصطلح على تسميتهم “أطفال داعش” اليوم، الذين تتراوح أعمارهم بين 3 أشهر إلى 13 في سجن معتيقة بالعاصمة طرابلس وكذلك في مقر الهلال الأحمر بمدينة مصراتة تتراوح أعمارهم سنة، بعضهم مع أمهاتهم والبعض الآخر وحيدون.

آباء قتلوا وآخرون يحاكمون

أحمد بن سالم المتحدث الرسمي باسم قوات الردع الخاصة التي تشرف على سجن معيتيقة بطرابلس، كشف لـ”العربية.نت” وجود 22 طفلاً جميعهم من تونس تبلغ أعمارهم بين سنة و11 سنة ولدوا أغلبهم على الأراضي الليبية و13 امرأة تونسية وواحدة سنغالية، تم القبض عليهم في مدينة صبراتة سنة 2016، وتم إيداعهم داخل مؤسسة الإصلاح والتأهيل التابعة لسجن معيتيقة، مشيراً إلى أن أغلب آبائهم قتلوا والبعض الآخر معتقل لديهم في انتظار محاكمته.

وعلى بعد 200 كلم شرق العاصمة طرابلس، يوجد عشرات الأطفال الآخرين من أبناء المقاتلين، عثرت عليهم قوات البنيان المرصوص بعد انتهاء العمليات العسكرية في سرت، قبل أن تودعهم داخل دار للرعاية بمركز الهلال الأحمر بمدينة مصراتة.

وحسب أرقام الهلال الأحمر بمصراتة يوجد حوالي 50 طفلاً منذ شهر ديسمبر 2016 بمقراتها تم إنقاذهم بعد أن لفظتهم الحرب في مدينة سرت، حيث وفرت لهم الحماية والرعاية بعد مصرع آبائهم أو هربهم أو اعتقالهم، تتراوح أعمارهم بين 9 شهور و12 عاماً، ويوجد كذلك داخل مركز الإيواء بالقاعدة الجوية 10 نساء من تونس معهن 15 طفلاً.

“أبرياء ولكن”
وبحسب الهلال الأحمر، تم تحديد هوية وعائلات 10 أطفال منهم فقط، في انتظار تحديد أسر نحو 40 من الأطفال الباقين الذين فقدوا والديهم وحددت جنسياتهم على أنهم 7 أطفال من السودان اعترفت البلاد بـ4 منهم في أغسطس الماضي وتم ترحيلهم إلى البلاد، و6 أطفال من تونس، و15 طفلا من جمهورية مصر، وفتاة من السنغال، وفتاة والدتها بريطانية، كما يوجد 5 مجهولي الجنسية داخل المركز.

واحد من الأطفال الذين لم يتم التوصل إلى تحديد عائلته، نشر الليبيون إعلاناً له للبحث عن أسرته في تونس بعد أن تبنته عائلة في مدينة مصراتة، بعد أن قتل أبوه وأمه خلال حرب تحرير سرت على أيدي قوات البنيان المرصوص، وهو مثال لعشرات الأطفال الآخرين الذين وجدوا أنفسهم بلا شهادات ميلاد وبدون جنسية، بعد أن ولدوا إمّا نتيجة زواج عرفي أو عنف جنسي ارتكبه مقاتلو التنظيم على أمهاتهم، الأمر الذي يجعل من الصعب اليوم تحديد هوياتهم وحصر عائلاتهم.

“لكن هم أطفال أبرياء دون ذنب”، يقول متحدث قوة الردع الخاصة متسائلاً “لماذا ترفض دولهم استلامهم ومساعدتهم للخروج من البيئة التي يوجدون فيها”، ملقياً باللوم خاصة على السلطات التونسية، بسبب استجابتها الضعيفة لمعالجة وتسوية ملف أطفالها من أبناء مقاتلي تنظيم داعش رغم الوعود التي أطلقتها، مضيفاً في هذا السياق أن “زوجات الدواعش يمتلكن معلومات أمنية عن مقاتلي التنظيم التونسيين يمكن أن تستفيد منهم السلطات التونسية للقبض على القيادات الفارّة إلى اليوم”.

ملف عالق

وتعليقاً على هذا الملف الذي لا يزال عالقاً بين ليبيا وتونس، عبرت الدولة التونسية على لسان وزارة الخارجية في بيان لها الشهر الماضي، عن استعدادها لحله في “إطار قضائي بين البلدين وعبر القنوات الرسمية الدبلوماسية دون سواها، بعد التثبت من هويات الأطفال واستكمال كل الإجراءات الإدارية والقانونية ومن بينها الشروع في عملية التثبت من هويات الإرهابيين المتوفين والموقوفين التونسيين لتسهيل إعادتهم إلى تونس”.

في هذا السياق، قال مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان وعضو في اللجنة التونسية – الليبية المشرفة على هذه القضيّة، إن هذا الملف “شهد في الفترة الأخيرة بعض الخطوات والتحركات من أجل حله خاصة من الجانب التونسي بعد الضغوط التي مارستها منظمات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية، إلا أنه اصطدم بعقبات عديدة”.

وأوضح في هذا الجانب في تصريح لـ”العربية.نت” أن الجانب الليبي اشترط الإبقاء على أمهات الأطفال لمحاكمتهم بتهم إرهابية، وهو الأمر الذي رفضته تونس التي تمانع في نزع الأطفال من أمهاتهم، إلى جانب الوضع الأمني المتردي في ليبيا وعدم وجود سلطة مركزية للتفاوض معها في ليبيا.

غياب الإرادة
وخلص عبد الكبير إلى أن “غياب الإرادة بين الجانبين هو الذي صعّب وعقّد من عملية ترحيل الأطفال إلى بلادهم”، داعياً إلى ضرورة الإسراع في إرجاع الأطفال إلى عائلاتهم للاهتمام بهم ولتنشئتهم في بيئة سليمة ووسط مجتمع منفتح وإعادة تأهيلهم حتى يكونوا أطفالاً طبيعيين في المستقبل، قبل فوات الأوان وقبل أن يصبحوا تهديدا للأمن العام.

ولفت في هذا الإطار، إلى أن هؤلاء الأطفال “هم ضحايا أبرياء، يتواجدون الآن في بيئة متشددة بعضهم يتلقى تربية متطرفة من والدته الداعشية وآخرين كبروا على مشاهد الإرهاب”، مضيفاً أنه “لا يجب تحميل مسؤولية ما قام به آباؤهم إلى أطفال صغار لأنهم ضحايا حروب”، داعياً السلطات إلى العناية بهم والوقوف لأجلهم ومنحهم حياة أفضل يتمتعون خلالها بحقوقهم الأساسية، حتى “لا يصبحوا جيل داعش الجديد ويكونوا خطرا على العالم”.



اخبار العرب

0 التعليقات:

إرسال تعليق